recent
اخر الاخبار

الهداوي...بوصرة

الصفحة الرئيسية

 

كتبها: أحمد الجلالي  

 

لسنوات طويلة ظل وجهه طيفا ولغزا لنا نحن الأطفال في تلك الأزمنة البعيدة.

كان يخرج من اللامكان متجها شرقا أو غربا في الظهيرة أو مساء. لا ندري من أين أتى ولا أين يمضي.



كان يغيب شهورا ثم يظهر. هو كما هو كما عهدناه: صرة كبيرة على الظهر وشعر مشعث وعكاز في يسراه، غير آبه بالناس ولا بالزمان.

اتفقنا دون اتفاق أن نسميه "الهداوي بوصرة".

كبرنا قليلا ولكن بوصرة بدا كأن الزمان لا يفعل فيه شيئا أو أنه قرر أصلا قطع صلاته بالوقت.

لم نتجرأ يوما أن نقترب منه أو نسأله، كنا في الحقيقة نخشاه دونما سبب مقنع، إذ لم يحدثنا ولم نلمسه.

مضت السنوات وصرنا شبابا. وفي يوم كنا نسينا بوصرة تماما فإذا به يخرج من اللامكان...دائما كما عرفناه غير متوقع.

ذهلنا وخيم علينا صمت طويل ولم نستفق إلا عندما كان الهداوي قد غاب عن بصرنا نهائيا في ظلمة بداية الغروب.

التفتنا إلى بعضنا وكنا في نهاية العقد الثاني من أعمارنا فقلنا جماعة ــ ودون اتفاق أيضاـ إنه بوصرة..بوصرة الهداوي..

بقيت أسئلتنا إلى اليوم معلقة في الفراغ: من هو؟ من أين يأتي وأين يذهب؟ ما اسمه وما قصته.

لا جواب. غاب الرجل عنا وغيبنا الزمن عنه.

بقي وجهه في الذاكرة إلى الأبد.  

 

google-playkhamsatmostaqltradent